الخليل بوخال / المغرب
ـ غياب إجماع اللوبيات المحلية: كل من تابع تطور الساحة السياسية الجزائرية في الشهور الأخيرة سيلاحظ تضارب المصالح بين العديد من الأطراف التي تملك قوة القرار في رسم سياسات البلد و ضمان إستمرارية الحكم القائم بتمويله ماليا و حمايته أمنيا، و لعل أبرزها اللوبي الإقتصادي و العسكري. فالتشهير الذي طال مسيري صونطراك ـ المالكة لأكثر من ثمانين في المائة من الناتج الداخلي الجزائري ـ من طرف حاشية بوتفليقة، و ما تبعه من إقالات و متابعات قضائية، يدل على مدى عمق الخلاف بين اللوبي الإقتصادي و نظيره السياسي. كما أن تبادل الإتهامات بين أقطاب المؤسسة العسكرية من جهة، و بينها وبين بلاط بوتفليقة من جهة أخرى لدليل على شرخ عميق بين القطبين تغذيه محاولات المؤسسة العسكرية لإستعادة أدوارها من جهة، و محاولات تحجيم هذه الأخيرة من طرف المستشارين المدنيين لبوتفليقة من جهة أخرى
ـ غياب التزكية الخارجية: من المعلوم أن الدعم و القبول الخارجي لأي مترشح لقيادة بلد ما مهم للغاية, بل ولا يقل أهمية من الدعم الداخلي و المقدم من مناصري هذا المرشح أو ذاك. بوتفليقة و دائرته يفتقدون إلى التزكية الخارجية بأبعادها الثلاثة. فمن جهة، بينت دول الجوار على نأيها بالنفس من ترشح بوتفليقة، و ذلك بسبب سياساته المعادية لها. فإنتقاذه للإنتقاضات التي عرفتها تونس و ليبيا و وقوفه موقف المتوجس من الحكومات المفرزة دفع هذه الأخيرة للرد بالمثل، ناهيك عن العلاقات الباردة التي يعرفها منذ أمد بعيد قصر المرادية بالمؤسسة الملكية المغربية، و الذي خلفتها إفتعال و تدخل الجزائر السلبي في قضية الصحراء المغربية
على مستوى ثاني، النظام الجزائري لا يحضى على ما يبدو من دعم كافي من القوى الإقليمية الوازنة كما هو الشأن في مصر حاليا. فمعارضة الجزائر للعديد من توجهات العرب ـ السعودية و حلفاءها من العرب ـ في رسم المراحل المستقبلية للمنطقة حرمها من تزكية إقليمية تعتبر محددا مهما في التأثير على الشارع الجزائري بحكم الإرتباط الوثيق لهذا الأخير بمحيطه العربي و الإسلامي. المستوى الثالث من الدعم الخارجي و الذي يفتقده كذلك النظام الجزائري الحالي، و هو أمس الحاجة إليه في خضم الإستحقاق الرئاسي الذي يخوض غماره الرئيس الجزائري، يتعلق بالدعم الغربي العلني و الواضح. و السبب في هذا الغياب هي المخاطر السياسية التي قد تلحق بأي من ساسة الدول الغربية و الديموقراطية بشكل عام، إن هو صرح أو أفصح عن أي شكل من أشكال الدعم أو التزكية لنظام منهك بدنيا و حقوقيا، خصوصا في غياب خصم حقيقي لهذه الدول يخوض السباق الرئاسى بجانب بوتفليقة . فأي تزكية قادمة من الغرب ـ كانت رسمية أو شخصية ـ ستكون حتما إنتحارا سياسيا لمصدرها. و لا أعتقد أن أي من الحكومات الغربية مستعدة للمخاطرة بسمعتها أو سمعة الحزب الذي تنضوي تحته بدفاعها أمام الرأي العام الغربي عن نظام لا تتقاسم معه أدنى القيم التي تقوم عليها السياسة الغربية كالحرية و الحقوق الفردية و غيرها
من الواضح أن النظام الجزائري الحالي ماض في مخططات التوريث المعدة سلفا. و هو بذلك دخل لعبة خاسرة محسومة النتائج و التبعات. فكاريزمية الشارع الجزائري المتسم بالتكهرب حاليا، و المناخ المتشنج السائد بين أطياف المجتمع في الوقت الحاضر {لعل الإقتتال الطائفي الأخير و مقاطعة الإنتخابات لخير دليل على ذلك} يؤكدان على أن نتائج الإستحقاق الرئاسي القادم لن تنطلي على أحد، بل و تنذر بإرتدادات شعبية لن تقل ضراوة عن تلك التي عرفتها تونس أو مصر
كل هذا يستدعي الحيطة و الحذر من دول الجوار و خصوصا المغرب. فالمرحلة التي ستعقب الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية الجزائرية ستغير وجه هذا البلد، كما سترمي بظلالها على الوضع الأمني للمملكة المغربية، مما سيرفع من حجم التحديات الأمنية على الحدود، بالإضافة إلى تأثير محتمل على مزاج الشارع المغربي و دفعه لتبني بعض مطالب و مظاهر الإحتجاجات المحتملة في الجزائر و التي قد تتسم بالعنف و التخريب. فعلى جميع القوى الوطنية المغربية بما فيهم الفاعلين السياسيين و مؤسسات المجتمع المدني العمل و من الآن على توعية الشباب و كل شرائح المجتمع المدني بتباعد الأوضاع بين البلدين و تفاوت الإنجازات بين النظامين، و ذلك بالتركيز على الإنجازات المتقدمة و المحققة سياسيا و حقوقيا في السنوات الأخيرة من جهة، و فتح المجال أكثر لإشراك المجتمع بمختلف أطيافه في تدبير الشأن المحلي من جهة أخرى. إذ الإعتماد على الصفوف الأمامية و التقليدية من أحزاب و نقابات و كتل في تأطير المجتمع لن يجدي نفعا في ظل إتساع الهوة بينها و بين المواطنين، و الذي أدى إلى عزوف سياسي رهيب شبيه بطلاق بالثلاث قد يدفع العديد من المغاربة ـ و خصوصا الشباب منهم ـ إلى البحث عن حاضن جديد لا نريده أن يأتي من جزائر مضطربة